قصائد من ديوان الشهيد هاشم الرفاعي

رسالة في ليلة التنفيذ

شباب الإسلام

أغنية أرملة الشهيد

الشهيد هاشم الرفاعي

رسالة في ليلة التنفيذ

أبتاه ماذا قد يخط ّ بناني .. و الحبل و الجلاد منتظران

هذا كتاب إليك من زنزانة .. مقرورة صخرية الجدران

لم تبقَ إلا ليلة أحيا بها .. و أحس أن ظلامها أكفاني

ستمر يا أبتاه - لست أشك في .. هذا - و تحمل بعدها جثماني

الليل من حولي هدوء قاتل .. و الذكريات تمور في وجداني

و يهدني ألمي ، فأنشد راحتي .. في بضع آيات من القرآن

و النفس بين جوانحي شفافة .. دب الخشوع بها فهز كياني

قد عشت أومن بالإله و لم أذق .. إلا أخيرا لذة الإيمان

شكرا لهم ، أنا لا أريد طعامهم .. فليرفعوه ، فلست بالجوعان

هذا الطعام المر صنعته لي .. أمي ، و لا وضعوه فوق خوان

كلا ، ولم يشهده يا أبتي معي .. أخوان ِ لي جاءه يستبقان

مدوا إلى يدا مصبوغة .. بدمي ، و هذي غاية الإحسان

و الصمت يقطعه رنين سلاسل .. عبثت بهن أصابع السجان

ما بين آونة تمر و أختها .. يرنو إلى بمقلتى شيطان

من كوة بالباب يرقب صيده .. و يعود في أمن إلى الدوران

أنا لا أحس بأى حقد نحوه .. ماذا جنى ؟ فتمسه أضغاني

هو طيب الأخلاق مثلك يا أبي .. لم يبدُ في ظمأ إلى العدوان

لكنه إن نام عني لحظة .. ذاق العيالُ مرارة الحرمان

فلربما و هو المُرَوّع سحنة .. لو كان مثلي شاعرا لرثاني

أو عاد - من يدري ؟ - إلى أولاده .. يوما و ذُكّر صورتي لبكاني

و على الجدار الصلب نافذة بها .. معن الحياة غليظة القضبان

قد طالما شارفتها متأملا .. في الثائرين على الأسى اليقظان

فأرى و جوما كالضباب مصورا .. ما في قلوب الناس من غليان

نفس الشعور لدى الجميع إن هم ُ .. كتموا ، و كان الموت في إعلان

و يدور همس في الجوانح ما الذي .. بالثورة الحمقاء قد أغراني ؟

أو لم يكن خيرا لنفسي أن أرى .. مثل الجميع أسير في اذعان ؟

ما ضرني لو قد سكت , وكلما .. غلب الأسى بالغت في الكتمان

هذا دمي سيسيل يجري مطفئا .. ما ثار في جنبي من نيران

وفؤادي الموار في نبضاته .. سيكف في غده عن الخفقان

والظلم باق ٍ , لن يحطم قيده .. موتي , ولن يودي به قرباني

ويسير ركب البغي ليس يصيره .. شاة اذا اجتثت من القطعان

هذا حديث النفس حين تشق عن .. بشريتي وتمور بعد ثواني

وتقول لي ان الحياة لغاية .. أسمى من التصفيق للطغيان

أنفاسك الحرى و ان هي أخمدت .. ستظل تغمر أفقههم بدخان

وقروح جسمك وهو تحت سياطهم .. قسمات صبح يتقيه الجحاني

دمع السجين هناك في أغلاله .. ودم الشهيد هناك سيلتقيان

حتى اذا ما أفعمت بهم الربا .. لم يبق غير تمرد الفيضان

ومن العواصف ما يكون هبوبها .. بعد الهدوء وراحة الربان

ان احتدام النار في جوف الثرى .. أمر يثير حفيظة البركان

وتتابع القطرات ينزل بعده .. سيل يليه تدجفق الطوفان

فيموج , يقتلع الطغاة مزمجرا .. أقوى من الجبر وت والسلطان

أنا لستا أدري هل ستذكر قصتي .. أم سوف يعروها دجى النسيان

أو أنني سأكون في تاريخنا .. متامرا أم هادم الأوثان

كل الذي أدريه أن تجرعي كأس المذلة ليس في امكاني

لو لم أكن في ثورتي متطلبا .. غير الضياء لأمتي لكقاني

أهوى الحياة كريمة لا قيد , لا ..ارهاب , لا استخفاف بالانسان

فاذا سقطت أحمل عزتي .. يغلي دم الأحرار في شرياني

****

للقصيدة بقية

شباب الإسلام

ملكنا هذه الدنيا قرونا .. و أخضعها جدود خالدونا

و سطرنا صحائف من ضياء .. فما نسى الزمان وما نسينا

حملناها سيوفا لامعات .. غداة الروع تأبى أن تلينا

إذا خرجت من الأغماد يوما .. رأيت الهول و الفتح المبينا

و كنا حين يرمينا أناسٌ .. بطغيان ٍ تدوس له الجبينا

تفيض قلوبنا بالهدي بأسا .. فما نُغضي عن الظلم الجفونا

و ما فتىء الزمانُ يدور حتى .. مضى بالمجد قومٌ آخرونا

و أصبح لا يُرى في الركب قومي .. و قد عاشوا أئمتهُ سنينا

و آلمني و آلم كلّ حرٍ .. سؤال الدهر أين المسلمونا ؟

**

ترى هل يرجعُ الماضي ؟ فإني أذوب لذلك الماضي حنينا

بنينا حُقبة في الأرض مُلكا .. يدعمه شبابٌ طامحونا

شبابٌ ذللوا سُبُل المعالي .. و ما عرفوا سوى الإسلام دينا

تعهّدهم فأنبتهم نباتا .. كريما طاب في الدنيا غصونا

همُ وردوا الحياض مباركات .. فسالت عندهم ماءً معينا

إذا شهدوا الوغى كانوا كماة ً .. يدكون المعاقل و الحصونا

و إن جنَّ المساءُ فلا تراهم .. من الإشفاق إلا ساجدينا

شبابٌ لم تحطمه الليالي .. و لم يُسلم إلى الخصم العرينا

و لم تشهدهمُ الأقداح يوما .. و قد ملأوا نواديهم مجونا

و ماعرفوا الأعني مائعات .. و لكنَّ العُلا صيغت لحونا

و قد دانوا بأعظمهم نضالا .. و علما ، لا بأجرئهم عيونا!

فيتحدون أخلاقا عِذابا .. و يأتلفون مُجتمعا رزينا

فما عرف الخلاعة في بناتٍ .. و ما عرف التخنث في بنينا

ولم يتشدقوا بقشور علم ٍ .. و لم يتقلبوا في الملحدينا

و لم يتبجحوا في كل أمر ٍ .. خطير كى يقال مثقفونا

**

كذلك أخرج الإسلام قومي .. شبابا مخلصا حرا أمينا

و علمه الكرامة كيف تُبنى .. فيأبى أن يُقيد أو يهونا

دعوني من أمان ٍ كاذبات ٍ .. لم أجد المنى إلا ظنونا

و هاتوا لي من الإيمان نورا ً.. و قووّا بين جَنِبَىَّ اليقينا

أمُد يدي فأنتزع الرواسي .. و أبن ِ المجد مؤتلفا مكينا

أغنية أرملة الشهيد

نم يا صغيري .. إن هذا المهد يحرسهُ الرجاء

من مُقلة سهرت لآلام تثورُ مع المساء

فأصوغُها لحنا ً مقاطِعُهُ تأجّجُ في الدماء

أشدو بأغنيتي الحزينة ثم يغلبني البكاء

و أمُد كفي للسماء لأستحثّ خُطا السماء

نَمْ ، لا تشاركني المرارة و المحن

فلسوف أرضعك الجراح مع اللبن

حتى أنال على يديك مُنىً وهبتُ لها الحياة

يا من رأى الدنيا .. و لكن لنْ يرى فيها أباه

ستمرّ ُ أعوام طوالٌ في الأنين و في العذاب

و أراك يا ولدي قوىَّ الخطوِ موفور الشباب

تأوي إلى أم محطمةٍ مغضنةِ الإهاب

و هناك تسألُني كثرا عن أبيك و كيف غاب

هذا سؤال يا ضغيري قد أعدَّ له الجواب

فلئنْ حييتَ فسوف أسردهُ عليك

أو متُّ فانظر من يُسرُّ به إليك

فإذا عرفت جريمة الجاني و ما اقترفت يداه

فانثر على قبري و قبر أبيك شيئا من دماه

غَدكَ الذي كنا نؤمل أن يصاغ من الورود

نسجوه من نار و من ظلم تدجج بالحديد

فلكل مولودٍ مكانٌ بين أسراب العبيد

المسلمين ظهورهم للسوط في أيدي الجنود

و الزاكمين أنوفهم بالتُرب من طول السجود

فلقد وُلدتَ لكى ترى إذلال أمة

غفلت فضاعت في دياجير المُلمة

مات الأبىّ بها و لم نسمع بصوت قد بكاه

و سعوا إلى الشاكي الحزين فألجموا بالرعب فاه

أما حكايتنا فمن لون الحكايات القديمة

تلك التي يمضي بها التاريخُ دامية أليمة

الحاكم الجبار ، و البطش المسلح و الجريمة

و شريعة ٌ لم تعترف بالرأى أو شرفِ الخُصومة

ما عاد في تنورها لحضارة الإنسان قيمة

الحر يعرف ما تريد المحكمة

و قُضاته سلفا قد ارتشفوا دمه

لا ترتجي دفعا لبهتان رماهُ به الطغاة

المجرمون الجالسون على كراسىّ القُضاة

حكموا بما شاءوا و سيق أبوك في أصفاده

قد كان يرجوا رحمة للناس من جلاده

ما كان - يرحمه الإله - يخون حب بلاده

لكنه كيد المُدلّ بجنده .. و عتاده

المشتهي سفك الدماء على ثرى بغداده

كذبوا و قالوا عن بطولته خيانة

و أمامُنا التقرير يتطق بالإدانة

هذا الذي قالوه عنه .. غدا يُرددّ عن سواه

ما دُمتُ أبحث عن أبىّ في البلاد و لا أراه

هو مشهد من قصة حمراءَ في أرض ٍ خصيبة

كُتبت وقائعه على جُدُر ٍ مضرجة رهيبة

قد شادها الطغيان أكفانا لعزتنا السليبة

مشت الكتيبة تنشرُ الأهوال في إثر الكتيبة

و الناس في صمت و قد عقدت لسانهم المصيبة

حتى صدى الهمسات غشّاه الوهن

لا تنطقوا .. إن الجدار له أذن

و تخاذلوا .. و الظالمون نعالُهم فوق الجباه

كشياه جزار ٍ .. و هل تستنكر الذبح الشياه ؟

لا تصغ ِ يا و لدي إلى ما لفقوه ورددوه

من أنهم قاموا إلى الوطن الذليل فحرروه

لو كان حقا ذاك ما جاروا عليه وكبلوه

و لما رموا بالحر في كهف العذاب ليقتلوه

و لما مشوا للحق في وهج السلاح فأخرسوه

هذا الذي كتبوه مسمومُ المذاق

لم يبقَ مسموعا سوى صوتُ النفاق

صوتُ الذين يقدسون الفرد من دون الإله

و يسبحون بحمدهِ و يقدمون له الصلاه

لا ترحم الجاني إذا ظفرَتْ به يوما يداك

فهو الذي جلب الشقاء لنا .. و لم يرحم أباك

كمْ كان يهوى أن يعيشَ لكيّ يُظَللّ في حماك

فاطلب عدوّكَ .. لا يَفُتكَ .. تُرح فؤادا قد رعاك

هذي مُناي و أمنياتُ أبيكَ فاجعلها مُناك

فإذا بطشت به فذاك هو الثمن

ثمنُ الجراحات ِ المشوبة ِ باللبن

و هناك أدركْ يا صغيري ما وهبتُ له الحياه

و أقولُ هذا ابني .. و لم يرَ في طفولتهِ أباه