رسالة من تائب

هذه القصة كتبها التائب بنفسه في أحد ساحات الحوار على الشبكة ، وهي منقولة ببعض التصرف


 

لقد سئمت .. نعم لقد سئمت كل حياتي .. و أي حياة تلك التي أحيا .

أى حياة تلك التي تمتلئ بمعصية الله عز وجل.. أي حياة تلك التي أصبحت فيه عبدا ذليلا للشهوات وللنفس الأمارة بالسوء ..

يا ضيعتي .. و قد فسد خلقي .. وخمدت نفسي.. وقسا قلبي .. وطار لُبي.. وبار ديني..

والله إنني في ورطة لن ينقذني منها إلا الله .. بل إنها مأساة .. وأي مأساة .. أي مأساة تلك التي تهدد مستقبلي في الدارين .. دار الدنيا ودار الآخرة .. أي مأساة تلك التي تملأ أيامي نكدا وهما وضيقا وحزنا .. أي مأساة تلك التي لم أتصور أن أكون أنا أحد ضحاياها .. إنها مأساة المعصية ..

المعصية التي قادتني إلى الفشل في دراستي .. المعصية التي تفتك بأعصابي ليل نهار .. وتبث السم في عروقي .. تلك العروق التي استعبدتها شهوات الدنيا الخداعة ببهرجها و زخرفها .. ولذائذها ..

وكلما اقترفت المعاصي .. كنت أعود إلى الله .. فأستغفر وأدعو الله أن يرحمني من هذي المهالك .. حتى أعود ثانية وكأن شيئا لم يكن .. وأحس بالخدر الذي يطوع نفسي ويسوقها إلى العصيان.. بل إنني قد أشرفت على الجنون .. من هذا الدمار ..

أحس بتناقض رهيب في نفسي .. أه لو تتخيلون ذلك البون الشاسع بيني وبيني ..

عندما أقترف المعاصي .. يزول مفعول الهوى في لحظة .. و أحدق مذهولا بما اقترفت يداى.. أتذكر حينها أن عين الله لا تغفل ولا تنام.. و والله أستحي من الملكين الذين يدوّنان ما أفعل ..

فألتمس قلبي .. عله يدفع إلى مقلتىّ الدموع .. لكنني أجده وقد تراكم عليه الرّان الأسود .. ولكنني أستغفر الله بلساني .. أدعوه أن يباعد بيني وبين المهالك .. وكم عاهدت الله أن لا أعود .. بل و أقسمت بالله على نفسي .. ولكن .. تكون الغلبة للهوى .. و أرجع إلى ذل القيد مرة أخرى ..

و ألعن كل صباح ذلك الكسل الذي يصاحبني .. وما فتئ عن تركي و شأني .. فهذا الداء اللعين قد أفتر همتي .. وسحق إرادتي .. وعزز هواني .. و شتت عزيمتي ..

ألقى الناس كل يوم .. كما عودتهم .. بابتسامة مشرقة .. ونفس مرحة .. وكأن البراكين التي تعتمل في صدري قد خمدت .. و كأن أنهار حزني قد جفت .. وعندما أعود إلى بيتي ينزاح ذلك القناع الزائف .. الذي لم أتعمد أن أضعه ..

كم أحن إلى تلك الأيام السعيدة .. التي كنت فيها نقي النفس.. عامرا قلبي بالإيمان وبالتقوى .. معتصما بحبل الله المتين .. تلك الأيام .. آه .. أه .. كم أذكرها وكأنها عالم حالم .. عذب المشاعر .. يفيض بالضياء المستمد من أنوار الهداية و طاعة الله ..

والشكوى لغير الله ذلُُ ومهانة .. ولكن ..قلت في نفسي .. عسى أن يكون في هذا المكان من يبعث في نفس الأمل من جديد .. عسى أن يكون هناك من يوقظ همتي .. ويشعل حماسي .. عسى أن يكون هناك من يهديني الله عليه يديه مرة أخرى .. لعل كلمة زاجرة هنا .. أو لفتة صارمة هناك .. تكسر جدار الصلب الذي غشى قلبي .. وتعيد لهذا القلب شفافيته من جديد .. عله يلتمس من نور الله .. قبسا يسير عليه ..


رحماك يا رب العباد .. رجائي .. رجائي ..

و رضاك قصدي فاستجب لي دعائي ..

و حماك أبغي يا إلهي .. راجيا .. منك الرضى .. فجُدْ بولائي ..

ناديت باسمك يا إلهي .. ضارعا .. إن لم تجرني .. فمن يجيرُ بكائي ..

أنت الكريم فلا تدعني تائها .. فلقد عييت من البعاد النائي ..

ما لي سوى أعتاب جودك موئل .. فلإن مرضت فمن سواك دوائي ..

و لقد رجوتك يا إلهي ضارعا .. بمحمد ألا تخيب رجائي ..